سورة آل عمران - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله عز وجل: {قل أؤنبئكم} أي أخبركم {بخير من ذلكم} يعني الذي ذكر من متاع الدنيا {للذين اتقوا} قال ابن عباس في رواية عنه يريد المهاجرين والأنصار. أراد أن يعرفهم ويشوقهم إلى الآخرة قال العلماء: ويدخل في هذا الخطاب كل من اتقى الشرك {عند ربهم} معناه أن الله أخبر أن ما عنده خير مما كان في الدنيا وإن كان محبوباً فحثهم على ترك ما يحبون لما يرجون ثم فسر لك الخير فقال تعالى: {جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله}.
(ق) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك الخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: يا رب وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك: فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك فيقول، أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً وقيل: إن العبد إذا علم أن الله تعالى قد رضي عنه كان أتم لسروره وأعظم لفرحه» {والله بصير بالعباد} يعني أن الله تعالى عالم بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا فيجازى كلاًّ على عمله فيثبت ويعاقب على قدر الأعمال. وقيل: إن الله تعالى بصير بالذين اتقوا فلذلك أعدلهم الجنات.


قوله عز وجل: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا} أي صدقنا {فاغفر لنا ذنوبنا} أي استر علينا وتجاوز عنا {وقنا عذاب النار}. قوله عز وجل: {الصابرين} يعني على أداء الواجبات وعن المحرمات والمنهيات، وفي البأساء والضراء وحين البأس. وقيل: الصابرين على دينهم وما أصابهم {والصادقين} يعني في إيمانهم. وقال قتادة: هم قوم صدقت نياتهم واستقامت ألسنتهم وقلوبهم في السر والعلانية والصدق يكون في القول والأفعال والنية، فأما صدق الفعل فهو مجانبة الكذب والصدق في الفعل هو عدم الانصراف عنه قبل إتمامه، والصدق في النية العزم على الفعل حتى يبلغه. {والقانتين} يعني المطيعين لله وقيل لهم المصلون، وهو عبارة عن دوام الطاعة والمواظبة عليها {والمنفقين} يعني أموالهم في طاعة الله تعالى، ويدخل فيه نفقة الرجل على نفسه وعلى أهله وأقاربه وصلة رحمه، والزكاة والنفقة في جميع القربات {والمستغفرين بالأسحار} يعني المصلين بالسحر وهو الوقت بعد ظلمة الليل إلى طلوع الفجر، وقيل كانوا يصلون بالليل حتى إذا كان وقت السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار فكان هذا دأبهم في ليلهم. قال نافع: كان ابن عمر يحيي الليل ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: لا فيعاود الصلاة فإذا قلت نعم قعد يستغفر ويدعو حتى يصلي الصبح.
(ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» وفي لفظ مسلم فيقول: «أنا الملك أما الملك من ذا الذي يدعوني الحديث» وله في رواية أخرى فيقول: «هل من سائل؟ فيعطى هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له حتى ينفجر الصبح؟» هذا الحديث من أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان معروفان مذهب السلف الإيمان به وإجراءه على ظاهره ونفي الكيفية عنه، والمذهب الثاني هو مذهب من يتأول أحاديث الصفات. قال أبو سليمان الخطابي: إنما ينكر هذا الحديث من يقيس الأمور على ما يشاهده من النزول الذي هو تدل على من أعلى إلى أسفل، وانتقال من فوق إلى تحت وهذا صفة الأجسام، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه، وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم، ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله دعاءهم، ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقيل في قوله: {والمستغفرين بالأسحار} وصف الله تعالى هؤلاء بما وصف ثم بين أنهم مع ذلك لشدة خوفهم ووجلهم أنهم يستغفرون بالأسحار. وروي أن لقمان قال لابنه: يا بني لا تكن أعجز من الديك فإنه يصوت بالأسحار وانت نائم على فراشك» وقيل: هم الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة فعلى هذا القول إنما سميت الصلاة استغفاراً لأنهم طبلوا بفعلها المغفرة.
قوله عز وجل: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} قيل سبب نزول الآية أن حبرين من أحبار الشام قدما على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصر المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة فقالا له: أنت محمد؟ قال: نعم، قالا وأنت أحمد؟ قال: نعم. قالا فإنا نسألك عن شيء: فإن أنت أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك قال: اسألاني قالا: فأخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله هذه الآية فأسلم الحبران. وقيل: إن هذه الآية نزلت في نصارى نجران فيما ادعوا في عيسى عليه السلام فقوله تعالى: {شهد الله} يعني بيّن الله وأظهر لأن معنى الشهادة تبيين وإظهار. وقيل: معنى شهد الله حكم الله وقضى. وقيل: معناه أعلم الله أنه لا إله إلاّ هو وذلك بيان الدلائل لما أمكن التوصل إلى معرفة الوحدانية، فهو تعالى أرشد عباده إلى معرفة توحيده بما بين من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته سئل بعض الأعراب ما الدليل على وجود الصانع؟ فقال: إن البعرة تدل على البعير، وآثار القدم تدل على الميسر فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلان على وجود الصانع الخبير. قال ابن عباس: خلق الله تعالى الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة، فشهد لنفسه بنفسه قبل أن خلق الخلق كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا بر ولا بحر، فقال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة} أي وشهد الملائكة فمعنى شهادة الله تعالى الإخبار والإعلام ومعنى شهادة الملائكة والمؤمنين الإقرار والاعتراف بأنه لا إله إلاّ هو، ولما كان واحد من هذين الأمرين يسمى شهادة حسن إطلاق لفظ الشهادة عليهما {وأولو العلم} أي وشهد أولوا العلم بأنه لا إله إلا هو، واختلفوا في أولي العلم فقيل: هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم أعلم الخلق بالله تعالى وقيل: هم علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار وقيل: هم علماء مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل: هم علماء جميع المؤمنين {قائماً بالقسط} أي بالعدل نصب على الحال والقطع أو المدح ومعناه أنه تعالى قائم بتدبير خلقه كما يقال: فلان قائم بأمر فلان يعني أنه مدبر له ومتعهد له ومتعهد لأسبابه، وفلان قائم بحق فلان، أي أنه مجاز له فالله مدبر أمر خلقه وقائم بارزاقهم ومجاز لهم بأعمالهم {لا إله إلا هو} إنما كرره للتأكيد، وقيل إن الأول وصف وتوحيد والثاني رسم وتعليم أي قولوا لا إله إلاّ هو. وقيل فائدة تكرارها الإعلام بأن هذه الكلمة أعظم الكلام وأشرفه فيه حث للعباد على تكريرها والاشتغال بها، فإنه من اشتغل بها فقد اشتغل بأفضل العبادات {العزيز} أي الغالب الذي لا يقهر {الحكيم} يعني في جميع أفعاله.
{إن الدين عند الله الإسلام} يعني أن الدين المرضى عند الله هو الإسلام كما قال تعالى: {ورضيت لكم الإسلام ديناً} وفيه رد على اليهود والنصارى وذلك لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية رد الله عليهم ذلك فقال: إن الدين عند الله الإسلام. وقرئ: {أن الدين} بفتح الهمزة رداً على أن الأولى والمعنى شهد الله أنه لا إله إلاّ هو، وشهد أن الدين عند الله الإسلام، وأصل الدين في اللغة الجزاء. يقال كما تدين تدان ثم صار اسماً للملة والشريعة، ومعناه الانقياد للطاعة والشريعة، قال الزجاج الدين اسم لجميع ما تعبد الله به خلقه وأمرهم بالإقامة عليه، والإسلام هو الدخول في السلم وهو والاستسلام والانقياد والدخول في الطاعة. وروى البغوي بسند الثعلبي عن غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارةٍ فنزلت قريباً من الأعمش فكنت أختلف إليه فلما كان ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام من الليل يتهجد فمر بهذه الآية: {شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم} قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة إن الدين عند الله الإسلام قالها مراراً. قلت: سمع فيها شيئاً فصليت الصبح معه وودعته ثم قلت له: إني سمعتك ترددهما فما بلغك فيها؟ قال: والله لا أحدثك فيها إلى سنة فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمد قد مضت السنة فقال: حدثني أبو وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله عز وجل: إن لعبدي هذا عندي عهداً وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة».


قوله عز وجل: {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب} قال الكلبي: نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام والمعنى: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم {إلا من بعد ما جاءهم العلم} يعني بيان نعته وصفته في كتبهم. وقال الربيع: إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلاً من خيار بني إسرائيل وأودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة والاختلاف، بينهم، وهم الذين أوتوا الكتاب وهم من أبناء الملوك السبعين حتى أهرقوا الدماء وقع الشر والاختلاف، وذلك بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة من الأحكام {بغياً بينهم} أي طلباً بينهم للملك والرياسة فسلط الله عليهم الجبابرة. وقيل: نزلت من نصارى نجران ومعناه وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني الإنجيل واختلافهم كان في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، وما ادعوا فيه من الإلهية إلا من بعد ما جاءهم العلم. يعني بأن الله تعالى واحد أحد وأن عيسى عبد ه ورسوله بغياً بينهم يعني المعاداة والمخالفة. {ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} فيه وعيد وتهديد لمن أصر على الكفر من اليهود والنصارى الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8